61 _ قبل سنة (1011هـ)(18): قصَّة وزير البحرين والرمّانة ونجاة شيعة البحرين من كيده ببركة الإمام المهدي عليه السلام: روى المجلسي رحمه الله عن بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به، يرويه عمَّن يثق به ويطريه، أنَّه قال: لمَّا كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشدُّ نصباً منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت عليهم السلام ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكلّ حيلة. فلمَّا كان في بعض الأيّام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوباً عليها: (لا إله إلاَّ الله، محمَّد رسول الله، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله)، فتأمَّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمّانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر، فتعجَّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة، وحجّة قويّة، على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له: أصلحك الله إنَّ هؤلاء جماعة متعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة، فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلاَّ المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: إمَّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبى نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم. فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار، والنجباء والسادة الأبرار، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمّانة، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شافٍ: من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار، فتحيَّروا في أمرها، ولم يقدروا على جواب، وتغيَّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم. فقال كبراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلَّنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلاَّ فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين. فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتَّفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا، ثُمَّ اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم: اُخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها، واستغث بإمام زماننا، وحجّة الله علينا، لعلَّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء. فخرج وبات طول ليلته متعبّداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله، ويستغيث بالإمام عليه السلام، حتَّى أصبح ولم يرَ شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم. فأحضروا الثالث وكان تقيّاً فاضلاً اسمه محمّد بن عيسى(19)، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى، وتوسَّل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان. فلمَّا كان آخر الليل، إذا هو برجل يخاطبه ويقول: (يا محمّد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة، ولماذا خرجت إلى هذه البرية؟)، فقال له: أيّها الرجل دعني فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره إلاَّ لإمامي ولا أشكوه إلاَّ إلى من يقدر على كشفه عنّي. فقال: (يا محمّد بن عيسى! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك)، فقال: إن كنت هو فأنت تعلم قصَّتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك، فقال له: (نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة، وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به)، قال: فلمَّا سمعت ذلك توجَّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا. فقال صلوات الله عليه: (يا محمّد بن عيسى إنَّ الوزير لعنه الله في داره شجرة رمّان فلمَّا حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين على هيئة الرمّانة، وجعلها نصفين وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة ثُمَّ وضعهما على الرمّانة، وشدَّهما عليها وهي صغيرة فأثَّر فيها، وصارت هكذا. فإذا مضيتم غداً إلى الوالي، فقل له: جئتك بالجواب ولكنّي لا اُبديه إلاَّ في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك، ترى فيها غرفة، فقل للوالي: لا اُجيبك إلاَّ في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلاَّ بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، ولا تتركه وحده يتقدَّم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثُمَّ ضعها أمام الوالي وضع الرمّانة فيها لينكشف له جليّة الحال. وأيضاً يا محمّد بن عيسى قل للوالي: إنَّ لنا معجزة اُخرى وهي أنَّ هذه الرمّانة ليس فيها إلاَّ الرماد والدخان وإن أردت صحَّة ذلك فاءمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته). فلمَّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام، فرح فرحاً شديداً وقبَّل بين يدي الإمام صلوات الله عليه، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور. فلمَّا أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال له: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا، وحجّة الله علينا، فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة واحداً بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر صلوات الله عليهم. فقال الوالي: مُدْ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمّداً عبده ورسوله وأنَّ الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السلام ثُمَّ أقرَّ بالأئمّة إلى آخرهم عليهم السلام وحسن إيمانه، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم. قال: وهذه القصَّة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس(20).