19 _ سنة (261 أو 262هـ): قصَّة أحمد الدينوري وبحثه عن نائب الإمام عليه السلام لتسليمه أموال الشيعة وظهور المعجزات والكرامات من الإمام عليه السلام: روى الطبري الشيعي رحمه الله عن أبي المفضَّل محمّد بن عبد الله، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن جعفر بن محمّد المقرئ، قال: حدَّثنا أبو العبّاس محمّد بن سابور، قال: حدَّثني الحسن بن محمّد بن حيوان(6) السرّاج القاسم، قال: حدَّثني أحمد بن (محمّد) الدينوري(7) السرّاج المكنّى بأبي العبّاس، الملقَّب بآستاره، قال: انصرفت من أردبيل إلى الدينور اُريد الحجّ، وذلك بعد مضيّ أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام بسنة أو سنتين، وكان الناس في حيرة، فاستبشروا أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معك، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها. قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت. قال: فقالوا: إنَّما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاحمله على ألا تخرجه من يديك إلاَّ بحجَّة. قال: فحُمل إليَّ ذلك المال في صرر باسم رجل رجل، فحملت ذلك المال وخرجت، فلمَّا وافيت قرميسين(8)، وكان أحمد بن الحسن مقيماً بها، فصرت إليه مسلّماً، فلمَّا لقيني استبشر بي، ثمّ أعطاني ألف دينار في كيس، وتخوت ثياب من ألوان معتمة، لم أعرف ما فيها، ثمّ قال لي أحمد: احمل هذا معك، ولا تخرجه عن يدك إلاَّ بحجَّة. قال: فقبضت منه المال والتخوت بما فيها من الثياب. فلمَّا وردت بغداد لم يكن لي همَّة غير البحث عمَّن اُشير إليه بالنيابة، فقيل لي: إنَّ هاهنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدَّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الأحمر يدَّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدَّعي بالنيابة. قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع عنده الناس يتناظرون. قال: فدخلت إليه، وسلَّمت عليه، فرحَّب وقرَّب، وبرَّ وسرَّ. قال: فأطلت القعود إلى أن خرج أكثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرَّفته أنّي رجل من أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه. قال: فقال لي: احمله. قال: فقلت: اُريد حجَّة. قال: تعود إليَّ في غد. قال: فعدت إليه من الغد، فلم يأتِ بحجَّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجَّة. قال: فصرت إلى إسحاق الأحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أكبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسرى، وغلمانه أكثر من غلمانه، ويجتمع عنده من الناس أكثر ممَّا يجتمعون عند الباقطاني. قال: فدخلت وسلَّمت، فرحَّب وقرَّب، قال: فصبرت إلى أن خفَّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيّام، فلم يأتِ بحجَّة. قال: فصرت إلى أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه مبطنة بيضاء، قاعد على لبد، في بيت صغير، ليس له غلمان، ولا له من المروَّة والفرس ما وجدت لغيره. قال: فسلَّمت، فردَّ جوابي، وأدناني، وبسط منّي، ثمّ سألني عن حالي، فعرَّفته أنّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً. قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلى من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلى سُرَّ من رأى، وتسأل دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوكيل _ وكانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها _، فإنَّك تجد هناك ما تريد. قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سُرَّ من رأى، وصرت إلى دار ابن الرضا، وسألت عن الوكيل، فذكر البوّاب أنَّه مشتغل في الدار، وأنَّه يخرج آنفاً، فقعدت على الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلَّمت عليه، وأخذ بيدي إلى بيت كان له، وسألني عن حالي، وعمَّا وردت له، فعرَّفته أنّي حملت شيئاً من المال من ناحية الجبل، وأحتاج أن اُسلّمه بحجَّة. قال: فقال: نعم. ثمّ قدَّم إليَّ طعاماً، وقال لي: تغدّى بهذا واسترح، فإنَّك تعب، وإنَّ بيننا وبين صلاة الأولى ساعة، فإنّي أحمل إليك ما تريد. قال: فأكلت ونمت، فلمَّا كان وقت الصلاة نهضت وصلَّيت، وذهبت إلى المشرعة، فاغتسلت وانصرفت إلى بيت الرجل، ومكثت إلى أن مضى من الليل ربعة، فجاءني ومعه درج، فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، وافى أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي كذا وكذا صُرَّة، فيها صُرَّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً، وصُرَّة فلان بن فلان كذا وكذا ديناراً _ إلى أن عدَّ الصرر كلّها _ وصُرَّة فلان بن فلان الذراع ستّة عشر ديناراً). قال: فوسوس لي الشيطان أنَّ سيّدي أعلم بهذا منّي، فما زلت أقرأ ذكر صُرَّة صُرَّة وذكر صاحبها، حتَّى أتيت عليها عند آخرها، ثم ذكر: (قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوّاف كيساً فيه ألف دينار وكذا وكذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه كذا) حتَّى نسب الثياب إلى آخرها بأنسابها وألوانها. قال: فحمدت الله وشكرته على ما منَّ به عليَّ من إزالة الشكّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلى حيث ما يأمرني أبو جعفر العمري. قال: فانصرفت إلى بغداد وصرت إلى أبي جعفر العمري. قال: وكان خروجي وانصرافي في ثلاثة أيّام. قال: فلمَّا بصر بي أبو جعفر العمري قال لي: لِمَ لم تخرج؟ فقلت: يا سيّدي، من سُرَّ من رأى انصرفت. قال: فأنا اُحدّث أبا جعفر بهذا إذ وردت رقعة على أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه)، ومعها درج مثل الدرج الذي كان معي، فيه ذكر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع ذلك إلى أبي جعفر محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي(9)، فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معك إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان القمّي. قال: فحملت المال والثياب إلى منزل محمّد بن أحمد بن جعفر القطّان، وسلَّمتها، وخرجت إلى الحجّ. فلمَّا انصرفت إلى الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وكيل مولانا (صلوات الله عليه) إليَّ، وقرأته على القوم، فلمَّا سمع ذكر الصُرَّة باسم الذرّاع سقط مغشيّاً عليه، فما زلنا نعلّله حتَّى أفاق، فلمَّا أفاق سجد شكراً لله عز وجل، وقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالهداية، الآن علمت أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة، هذه الصُرَّة دفعها _ والله _ إليَّ هذا الذرّاع، ولم يقف على ذلك إلاَّ الله عز وجل. قال: فخرجت ولقيت بعد ذلك بدهر أبا الحسن المادرائي، وعرَّفته الخبر، وقرأت عليه الدرج، قال: يا سبحان الله، ما شككت في شيء، فلا تشكّنَّ في أنَّ الله عز وجل لا يخلي أرضه من حجَّة. اعلم أنَّه لمَّا غزا أذكوتكين(10) يزيد بن عبد الله بسهرورد وظفر ببلاده، واحتوى على خزانته صار إليَّ رجل، وذكر أنَّ يزيد بن عبد الله جعل الفرس الفلاني والسيف الفلاني في باب مولانا عليه السلام. قال: فجعلت أنقل خزائن يزيد بن عبد الله إلى أذكوتكين أوّلاً فأوّلاً، وكنت أدافع بالفرس والسيف، إلى أن لم يبقَ شيء غيرهما، وكنت أرجو أن اُخلّص ذلك لمولانا عليه السلام، فلمَّا اشتدَّ مطالبة أذكوتكين إيّاي ولم يمكنني مدافعته، جعلت في السيف والفرس في نفسي ألف دينار ووزنتها ودفعتها إلى الخازن، وقلت له: ادفع هذه الدنانير في أوثق مكان، ولا تخرجنَّ إليَّ في حال من الأحوال ولو اشتدَّت الحاجة إليها، وسلَّمت الفرس والنصل. قال: فأنا قاعد في مجلسي بالري أبرم الأمور، وأوفي القصص، وآمر وأنهى، إذ دخل أبو الحسن الأسدي(11)، وكان يتعاهدني الوقت بعد الوقت، وكنت أقضي حوائجه، فلمَّا طال جلوسه وعليَّ بؤس كثير قلت له: ما حاجتك؟ قال: أحتاج منك إلى خلوة. فأمرت الخازن أن يهيّئ لنا مكاناً من الخزانة، فدخلنا الخزانة، فأخرج إليَّ رقعة صغيرة من مولانا عليه السلام، فيها: (يا أحمد بن الحسن، الألف دينار التي لنا عندك ثمن النصل والفرس سلّمها إلى أبي الحسن الأسدي). قال: فخررت لله عز وجل ساجداً شاكراً لما منَّ به عليَّ، وعرفت أنَّه خليفة الله حقّاً، لأنَّه لم يقف على هذا أحد غيري، فأضفت إلى ذلك المال ثلاثة آلاف دينار أخرى سروراً بما منَّ الله عليَّ بهذا الأمر)(12).