54 _ سنة (352هـ)(6): زيارة الشيخ الصدوق رحمه الله لمرقد الإمام الرضا عليه السلام، ثمّ رؤيته للإمام المهدي عليه السلام في المنام وأمره عليه السلام له بكتابة كتاب كمال الدين: قال الصدوق رحمه الله في كمال الدين: إنَّ الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أنّي لمَّا قضيت وطري من زيارة علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه رجعت إلى نيسابور وأقمت بها، فوجدت أكثر المختلفين إليَّ من الشيعة قد حيَّرتهم الغيبة، ودخلت عليهم في أمر القائم عليه السلام الشبهة، وعدلوا عن طريق التسليم إلى الآراء والمقائيس، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقّ وردّهم إلى الصواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم، حتَّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنباهة ببلد قم، طال ما تمنَّيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته، وهو الشيخ نجم الدين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت القمّي أدام الله توفيقه، وكان أبي يروي عن جدّه محمّد بن أحمد بن علي بن الصلت قدَّس الله روحه ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبد الله ابن الصلت القمّي رضي الله عنه وبقي حتَّى لقيه محمّد بن الحسن الصفّار وروى عنه، فلمَّا أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشيخ الذي هو من أهل هذا البيت الرفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسَّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه وحباني به من ودّه وصفائه، فبينا هو يحدّثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقيين كلاماً في القائم عليه السلام قد حيَّره وشكَّكه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره، فذكرت له فصولاً في إثبات كونه عليه السلام ورويت له أخباراً في غيبته عن النبيّ والأئمّة عليهم السلام سكنت إليها نفسه، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشكّ والارتياب والشبهة، وتلقّى ما سمعه من الآثار الصحيحة بالسمع والطاعة والقبول والتسليم، وسألني أن اُصنّف له في هذا المعنى كتاباً، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغى إذا سهَّل الله لي العود إلى مستقرّي ووطني بالري. فبينا أنا ذات ليلة اُفكّر فيما خلَّفت ورائي من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النوم فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشوط السابع عند الحجر الأسود أستلمه واُقبّله، وأقول: أمانتي أدَّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، فأرى مولانا القائم صاحب الزمان صلوات الله عليه واقفاً بباب الكعبة، فأدنو منه على شغل قلب وتقسّم فكر، فعلم عليه السلام ما في نفسي بتفرّسه في وجهي، فسلَّمت عليه فردَّ عليَّ السلام، ثمّ قال لي: (لِمَ لا تصنّف كتاباً في الغيبة حتَّى تكفي ما قد همَّك؟)، فقلت له: يا ابن رسول الله قد صنَّفت في الغيبة أشياء، فقال عليه السلام: (ليس على ذلك السبيل، آمرك أن تصنّف، ولكن صنّف الآن كتاباً في الغيبة واذكر فيه غيبات الأنبياء عليهم السلام). ثمّ مضى صلوات الله عليه، فانتبهت فزعاً إلى الدعاء والبكاء والبثّ والشكوى إلى وقت طلوع الفجر، فلمَّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليّ الله وحجَّته، مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكَّلت وإليه اُنيب(7).