26 _ سنة (268هـ): لقاء عيسى بن مهدي الجوهري بالإمام المهدي عليه السلام وأكله من طعامه: روى الخصيبي رحمه الله في الهداية الكبرى عن موسى بن محمّد، عن أبي محمّد عيسى بن مهدي الجوهري، قال: خرجت في سنة ثمانية وستّين ومائتين إلى الحجّ وكان قصدي المدينة وصاريا(28) حتَّى صحَّ عندنا أنَّ صاحب الزمان عليه السلام رحل من العراق إلى المدينة، فجلست بالقصر بصاريا في ظلَّة أبي محمّد عليه السلام، ودخل عليه قوم من خاصَّة شيعته فخرجت _ بعد أن حجّيت ثلاثين حجّة _ في تلك السنة حاجّاً مشتاقاً إلى لقائه عليه السلام بصاريا فاعتللت وقد خرجنا من فيد(29)، فتعلَّقت نفسي بشهوة السمك واللبن والتمر، فلمَّا وردت المدينة الملاية وافيت فيها إخواننا فبشَّروني بظهوره عليه السلام بصاريا، فلمَّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً تدخل القصر، فوقفت أرتقب الأمر إلى أن صلَّيت العشاءين وأنا أدعو وأتضرَّع وأسأل وإذا ببدر الخادم يصيح بي: يا عيسى بن مهدي الجوهري الجنبلاني اُدخل، فكبَّرت وهلَّلت وأكثرت من حمد الله عز وجل والثناء عليه، فلمَّا صرت في صحن دار القصر فرأيت مائدة منصوبة فمرَّ بي الخادم وأجلسني عليها وقال لي: مولاك يأمرك أن تأكل ما اشتهيت بعلَّتك وأنت خارج من فيد، فقلت في نفسي: حسبي بهذا برهاناً، فكيف آكل ولم أرَ سيّدي ومولاي، فصاح: (يا عيسى، كُلْ من طعامي فإنَّك تراني)، فجلست على المائدة ونظرت فإذا عليها سمك حار يفور وتمر إلى جانبه أشبه التمر بتمرنا بجنبلا، وجانب التمر لبن ولي، فقلت في نفسي: عليل وسمك ولبن وتمر، فصاح: (يا عيسى، لا تشكّ في أمرنا، أنت أعلم بما ينفعك ويضرّك؟)، فبكيت واستغفرت الله وأكلت من الجميع، وكلَّما رفعت يدي لم يبن فيه موضع، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا، فأكلت منه كثيراً حتَّى استحييت، فصاح: (يا عيسى، لا تستحي فإنَّه من طعام الجنَّة لم تصنعه يد مخلوق)، فأكلت فرأيت نفسي لا تشتهي من أكله، فقلت: يا مولاي حسبي، فصاح بي: (أقبل إليَّ)، فقلت في نفسي: ألقى مولاي ولم أغسل يدي؟ فصاح بي: (يا عيسى، وهل لما أكلت غمر؟)، فشممت يدي فإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه عليه السلام فبدا لي شخص أغشى بصري ورهبت حتَّى ظننت أنَّ عقلي قد اختلط، فقال لي: (يا عيسى، ما كان لكم أن تروني، ولولا الملأ تقول: أين هو كان؟ متى يكون؟ وأين وُلد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأيّ شيء أنبأكم؟ وأيّ معجزة أراكم؟ أمَا والله لقد دفعوا أمير المؤمنين عمَّا أراده وقدموا عليه وكادوه وقتلوه، وكذلك فعلوا بآبائي عليهم السلام، ولم يصدّقوهم ونسبوهم إلى السحر والكهانة وخدمة الجنّ، لما رأيتني يا عيسى. أخبر أولياءنا بما رأيت وإيّاك أن تخبر عدوّاً لنا فتسلبه)، فقلت: يا مولاي، ادع لنا بالثبات. فقال لي: (لو لم يثبّتك الله لما رأيتني، فامض لحجّك راشداً)، فخرجت من أكثر الناس حمداً وشكرا(30).