3 _ سنة (1365هـ): قراءة توقيع الإمام المهدي عليه السلام للمرجع الديني السيّد أبي الحسن الأصبهاني رحمه الله من قبل الشيخ الحلبي في يوم وفاة المرجع: جاء في كتاب موسوعة توقيعات الإمام المهدي عليه السلام: عن خادم الحجّة عليه السلام الحاجّ الشيخ محمود الحلبي الخراساني (أدام الله ظلَّه)(19)، نقل لنا حيث قال: بعدما انتهيت من أداء فريضة الحجّ وذلك في سنة الستّين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية، وبعد زيارة روضة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الأئمّة بالبقيع عليهم السلام وفي طريق العودة إلى إيران قصدت العراق لزيارة العتبات المقدَّسة. وكان آنذاك المرجع أبو الحسن الأصبهاني رضوان الله عليه(20) الذي كان متوطّناً في النجف الأشرف، زارني سماحته وطلب منّي بإلحاح أن اُقيم ضيفاً عنده حتَّى مغادرتي النجف الأشرف ودعاني لإيراد الخطابة والوعظ في النجف أربعة عشر ليلة. رفضت الطلب أوّلاً ولكن بعد الإصرار والتأكيد وتكرار طلب سماحته منّي لبَّيت له الطلب ولكن لمدَّة ستّة أيّام. وفي إحدى تلك الليالي الستّ اجتمعت بسماحته في داره وكان الاجتماع مغلقاً وفي تلك الخلوة التي رفض سماحته حضور أيّ شخص في الجلسة حتَّى طلب من نجله أن يخرج من الغرفة ومنعه من الدخول. كنّا نتحدَّث طوال ساعات ودار الحديث حول موضوعات مختلفة حتَّى وصلنا إلى ذكر مولانا الحجّة أرواحنا فداه، والحديث حول وضع الشيعة، ونقلت له مشاهداتي من ضعف الشيعة في مكّة والمدينة والعراق وعدم وجود مبلّغين يبلّغونهم الاعتقادات الدينية في طريق إحياء مكتب أهل البيت عليهم السلام، وبيَّنت لسماحته مدى حزني في هذا الشأن، وفي شدَّة الحزن قلت له: أنتم تعلمون أحسن منّي أنَّ الشيعة يعتقدون ويحبّون إمام زمانهم ومولاهم وكلّ ما هو لدينا ولديكم من خير وبركة هي من بركات صاحب الزمان وبيمن وجوده عجَّل الله تعالى فرجه إذ أنَّ الناس حينما يقبّلون أيديكم ليس إلاَّ لأنَّكم نائب الإمام عليه السلام وإذا يقدّمون لكم الأموال ليس إلاَّ بسبب انتسابكم بصاحب العصر والزمان عجَّل الله تعالى فرجه، وإذا كان لكم الاحترام بالدنيا والآخرة ليس إلاَّ بسبب أنَّكم وكيله عليه السلام، وأخيراً كلّ ما كان علينا ويكون وكلّ شيء كان لكم ويكون كلّه بيمن وجوده عليه السلام، فلماذا لا تقومون لإعلاء كلمته وإحياء اسمه الشريف؟ وذلك لا يكون إلاَّ بعد دراسة وضع الشيعة والقيام بنشاطات مفيدة، وليست هذه موجودة في الحال. ما هو السبب الذي جعل مجتمعنا في جهل اتّجاه وجود إمام العصر عليه السلام؟ وما هو السبب في عدم تعزيز مواقف الشيعة في الحجاز (مكّة والمدينة)، وكذلك في العراق (وخاصّة سامراء)؟ ألا ترون أنَّ في سامراء حتَّى البيت الذي هو ملك الإمام الحجّة عليه السلام قد اغتصب والشيعة التي تشكّل الأقلّية في كثب واضطهاد. في طوال هذه المدَّة التي كنت اُحدّث ذلك المرجع الديني كان سماحته ناصتاً بدقَّة إلى الحديث، وعندما انتهيت من الحديث بدء متحدّثاً وقال: هذه الأمور التي ذكرتموها هي من الواجبات ونحن نهتمُّ بها في المستقبل أكثر ممَّا كنّا نهتمّ بها في الماضي إن شاء الله، ونحن نفكّر في طريق تنفيذها، ولكن لا بدَّ أن نذكّركم أنَّنا كنّا ملفتين النظر في هذه الأمور إلى حدّ ما وكنّا تحت رعاية شيء من لطفه عليه السلام. عندما وصل سماحته في الحديث إلى هنا قام من مكانه وفتح باب جارور كان يحتوي كثيراً من الرسائل والأوراق والمستندات، وبدأ بالتفتيش بين الرسائل التي كانت مع ظرفها حتَّى أخرج ظرفاً منها وكان الظرف مغبرّاً، وعندما نظَّف الظرف من الغبار قبَّل ذلك الظرف ووضعه على رأسه، ثمّ أقبل إليَّ قائلاً: هذه الرسالة سند وإشارة من لطف بقيّة الله روحي له الفداء لنا، وأنا عملت ونفَّذت أمره عليه السلام في حدّ الإمكان. أخذت ذلك الظرف من سماحته، رأيت مكتوباً على ظهره: فرمانه عليه السلام، فتحت الظرف ورأيت فيه رسالة مرسلة بواسطة ثقة الإسلام والمسلمين زين العلماء الصالحين الحاجّ الشيخ محمّد شريعة التستري، وهذه الرسالة كانت مرسلة من قبله عليه السلام، رأيت في تلك الرسالة مكتوباً: (قل له: ارخص نفسك، واجعل مجلسك في الدهليز، واقض حوائج الناس، نحن ننصرك). وبعد ذلك أدام قائلاً (ذلك النائب العظيم): وعلى أساس هذا الأمر اتّصال الناس بي أمر سهل، وأنا جالس في دهليز بيتي وأقضي حوائج الشيعة في حدّ الإمكان، وهو عليه السلام مراقبنا وكذلك مساعدنا في الماضي. طلبت الإذن منه لاستنساخ الرسالة، أجاز لي ولكن طلب منّي وقال: لن أسمح ما دمتُ حيّاً أن يعلم أحد بوجود هذه الرسالة. كتبت نسخة من تلك الرسالة وبعد فترة رجعت إلى إيران. وفي اليوم الثالث عشر من شهر آبان سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وعشرين الشمسية وكان مطابقاً لليوم التاسع من ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وخمسة وستّين قمرية من الهجرة النبوية وصل خبر وفات ذلك المرجع الديني إلى إيران وعقدت حفلات ومجالس تأبينية. وفي جامع (گوهرشاد) في مدينة مشهد عقد مجلس تأبين بهذه المناسبة، وكنت أنا خطيب ذلك المجلس، ولأوّل مرَّة قرأت نصَّ هذا التوقيع الشريف الذي كان لبقيّة الله عليه السلام مخاطباً نائبه العامّ آية الله العظمى السيّد أبو الحسن الأصبهاني في ذلك المجلس.