43 _ سنة (293هـ): سياحة محمّد بن عبد الله القمّي في الأرض طلباً للحقّ وتشرّفه باللقاء في مكّة المكرَّمة: روى الطوسي رحمه الله عن جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، قال: حدَّثني محمّد بن علي، عن محمّد بن أحمد بن خلف، قال: نزلنا مسجداً في المنزل المعروف بالعبّاسية _ على مرحلتين من فسطاط مصر _، وتفرَّق غلماني في النزول وبقي معي في المسجد غلام أعجمي، فرأيت في زاويته شيخاً كثير التسبيح، فلمَّا زالت الشمس ركعت وسجدت وصلَّيت الظهر في أوّل وقتها، ودعوت بالطعام، وسألت الشيخ أن يأكل معي فأجابني. فلمَّا طعمنا سألت عن اسمه واسم أبيه وعن بلده وحرفته ومقصده، فذكر أنَّ اسمه محمّد بن عبد الله، وأنَّه من أهل قم، وذكر أنَّه يسيح منذ ثلاثين سنة في طلب الحقّ ويتنقل في البلدان والسواحل، وأنَّه أوطن مكّة والمدينة نحو عشرين سنة يبحث عن الأخبار ويتبع الآثار. فلمَّا كان في سنة ثلاث وتسعين ومائتين طاف بالبيت ثمّ صار إلى مقام إبراهيم عليه السلام فركع فيه وغلبته عينه فأنبهه صوت دعاء لم يجر في سمعه مثله، قال: فتأمَّلت الداعي فإذا هو شاب أسمر لم أرَ قطّ في حسن صورته واعتدال قامته، ثمّ صلّى فخرج وسعى، فاتَّبعته وأوقع اللهعز وجل في نفسي أنَّه صاحب الزمان عليه السلام. فلمَّا فرغ من سعيه قصد بعض الشعاب فقصدت أثره فلمَّا قربت منه إذ أنا بأسود مثل الفنيق قد اعترضني فصاح بي بصوت لم أسمع أهول منه: ما تريد عافاك الله؟ فأرعدت ووقفت، وزال الشخص عن بصري وبقيت متحيّراً. فلمَّا طال بي الوقوف والحيرة انصرفت ألوم نفسي وأعذلها بانصرافي بزجرة الأسود، فخلوت بربّي عز وجل أدعوه وأسأله بحقّ رسوله وآله عليهم السلام أن لا يخيّب سعيي وأن يظهر لي ما يثبت به قلبي ويزيد في بصري. فلمَّا كان بعد سنين زرت قبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فبينا أنا اُصلّي في الروضة التي بين القبر والمنبر إذ غلبتني عيني فإذا محرّك يحرّكني فاستيقظت فإذا أنا بالأسود، فقال: ما خبرك؟ وكيف كنت؟ فقلت: الحمد الله وأذمّك، فقال: لا تفعل، فإنّي اُمرت بما خاطبتك به، وقد أدركت خيراً كثيراً، فطب نفساً وازدد من الشكر للهعز وجل ما أدركت وعاينت، ما فعل فلان؟ وسمّى بعض إخواني المستبصرين، فقلت: ببرقة، فقال: صدقت، ففلان؟ وسمّى رفيقاً لي مجتهداً في العبادة، مستبصراً في الديانة، فقلت: بالإسكندرية، حتَّى سمّى لي عدَّة من إخواني. ثمّ ذكر اسماً غريباً فقال: ما فعل نقفور؟ قلت: لا أعرفه، فقال: كيف تعرفه وهو رومي؟ فيهديه الله فيخرج ناصراً من قسطنطينية، ثمّ سألني عن رجل آخر فقلت: لا أعرفه، فقال: هذا رجل من أهل هيت من أنصار مولاي عليه السلام، امض إلى أصحابك فقل لهم: نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين وفي الانتقام من الظالمين، ولقد لقيت جماعة من أصحابي وأدَّيت إليهم وأبلغتهم ما حملت وأنا منصرف واُشير عليك أن لا تتلبَّس بما يثقل به ظهرك، ويتعب به جسمك وأن تحبس نفسك على طاعة ربّك، فإنَّ الأمر قريب إن شاء الله تعالى. فأمرت خازني فأحضر لي خمسين ديناراً وسألته قبولها، فقال: يا أخي قد حرَّم الله عليَّ أن آخذ منك ما أنا مستغن عنه، كما أحلَّ لي أن آخذ منك الشيء إذا احتجت إليه، فقلت له: هل سمع هذا الكلام منك أحد غيري من أصحاب السلطان؟ فقال: نعم أخوك أحمد بن الحسين الهمداني المدفوع عن نعمته بآذربيجان، وقد استأذن للحجّ تأميلاً أن يلقى من لقيت، فحجَّ أحمد بن الحسين الهمداني رحمه الله في تلك السنة فقتله ذكرويه بن مهرويه(5)، وافترقنا وانصرفت إلى الثغر. ثمّ حججت فلقيت بالمدينة رجلاً اسمه طاهر من ولد الحسين الأصغر، يقال: إنَّه يعلم من هذا الأمر شيئاً، فثابرت عليه حتَّى أنس بي، وسكن لي، ووقف على صحَّة عقيدتي، فقلت له: يا ابن رسول الله، بحقّ آبائك الطاهرين عليهم السلام لمَّا جعلتني مثلك في العلم بهذا الأمر، فقد شهد عندي من توثقه بقصد القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب إيّاي لمذهبي واعتقادي وأنَّه أغرى بدمي مراراً فسلَّمني الله منه. فقال: يا أخي، اكتم ما تسمع منّي الخبر في هذه الجبال، وإنَّما يرى العجائب الذين يحملون الزاد في الليل ويقصدون به مواضع يعرفونها، وقد نهينا عن الفحص والتفتيش، فودَّعته وانصرفت عنه(6).